أقلام واعدة
مرحباً بك عضواً جديداً في منتدى أقلام واعدة
أقلام واعدة
مرحباً بك عضواً جديداً في منتدى أقلام واعدة
أقلام واعدة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أقلام واعدة

إشراف المعلم: سلامة رزق الله
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 شرح قصيدة واحرقلباه

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
المعلم
المدير العام



عدد المساهمات : 1981
تاريخ التسجيل : 27/08/2007
العمر : 65

شرح قصيدة واحرقلباه Empty
مُساهمةموضوع: شرح قصيدة واحرقلباه   شرح قصيدة واحرقلباه Emptyالجمعة 06 مايو 2011, 20:52

شرح قصيدة " واحر قلباه " للمتنبي
________________________________________

1- واحر قلباه ممن قلبه شبم ومن بجسمي و حالي عنده سقم
واحر قلبي واحتراقه حبا و هياما بمن قلبه بارد لا يحفل بي ولا يقبل علي ، وأنا عنده عليل الجسم لفرط ما أعاني وأقاسي فيه،سقيم الحال لفساد اعتقاده فيّ..

وقوله واحر قلباه أصله واحر قلبي فأبدل الياء بالألف طلبا للخفة والعرب تفعل ذلك في النداء..

2- مالي أكتّم حباً قد برى جسدي وتدّعي حب سيف الدولة الأمم
براه : أنحله وأضناه ، أكتّم (بالشده) : مبالغة بالكتمان..
اذا كان الناس يدعون حبه ويظهرون خلاف ما يضمرون فلِم أخفي أنا حبه الذي برح بي و أسقمني وأتعب نفسي بهذا الكتمان ؟..

3- إن كان يجمعنا حب لغرته فليت انا بقدر الحب نقتسم
الغره : الطلعة..
إن كان يجمعني وغيري أن نكون محبين له،أي أنه حصلت الشراكه في حبه ، فليتنا نقتسم فواضله و عطاياه بمقدار ذلك الحب حتى أكون أوفر نصيبا من غيري لاني أوفر حباً من غيري..

4- قد زرته و سيوف الهند مغمدة وقد نظرت اليه و السيوف دم
السيوف دم : أي مخضبة بالدم..
وتعني أنه خدمه في السلم و الحرب..
5- فكان أحسن خلق الله كلهم وكان أحسن ما في الأحسن الشيم
الشيم :جمع شيمة وهي الخليقه والخلق ..
يقول: انه كان في الحالين (الحرب و السلم) أحسن الخلق وكانت أخلاقه أحسن ما فيه..
6- قد ناب عنك شديد الخوف واصطنعت لك المهابه مالا تصنع البهم
البهم : الأبطال الذين تناهت شجاعتهم أو الجيش..
يقول: خوف عدوك منك قد ناب عنك في قتاله وهزيمته فصنع لك مالا تصنعه الجيوش ، يعني أن مهابتك في قلوب الأعداء أبلغ من رجالك وأبطالك الذين معك في جيشك..

7- ألزمت نفسك شيئا ليس يلزمها أن لا يواريهم أرض ولا علم
يواريهم : يسترهم ، علم :جبل ..
يقول :ألزمت نفسك أن تتبعهم أينما فروا وتدركهم حيثما تواروا من الأرض وهذا أمر لا يلزمك بعد أن تكون قد هزمتهم ، يريد أن لا يرجع عنهم إلا بعد قتلهم ولا يكفيه ما يكفي غيره من الظهور عليهم..
8- أكلما رمت جيشا فانثنى هربا تصرفت بك في اثاره الهمم
رمت : طلبْت ، انثنى : ارتد ..

يقول: أي كلما طلبت جيشا فارتد هاربا منك وهزمته ، حفزتك همتك إلى اقتفاءه واقتفاء آثاره حتى تعمل فيهم سيفك، وهذا استفهام واستنكار : أي ليس عليك أن تفعل وحسبك انهزامهم..
9- عليك هزمهم في كل معترك وما عليك بهم عار اذا انهزموا
المعترك : ملتقى الحرب ..

ويقول : عليك ان تهزمهم اذا التقو معك في مجال الحرب والقتال ولا عار عليك اذا انهزموا وتحصنوا بالهرب خوفا من لقائك فلم تظفر بهم ..

10- يا أعدل الناس الا في معاملتي فيك الخصام وانت الخصم و الحكم
يقول : انت اعدل الناس الا اذا عاملتني فان عدلك لا يشملني ، وفيك الخصام وانت الخصم والحكم لانك ملك لا أحاكمك الى غيرك وانما استدعي عليك حكمك والخصام وقع فيك واذن كيف ينتصف منك ؟ ..

11- أعيذها نظرات منك صادقة أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم
الهاء في (أعيذها) يرجع الى نظرات و هي تفسير له..

يقول : أعيذ نظراتك الصادقة -أي التي تصدقك حقائق المنظورات- أن تخدعك في التمييز بيني و بين غيري ممن يتظاهرون بمثل فضلي وهم برآء منه ، ولا تظن المتشاعر شاعرا كما يحسب الورم سمنا أي شحما ..

12- وما انتفاع أخي الدنيا بناظره اذا استوت عنده الانوار و الظلم

الناظر: العين ..
يقول : أن الفرق بينه وبين غيره ظاهر مثل الفرق بين النور و الظلمة فينبغي ألا يستويان في عين البصير..

13- سيعلم الجمع ممن ضم مجلسنا بانني خير من تسعى به قدم
14- انا الذي نظر الاعمى الى ادبي واسمعت كلماتي من به صمم

يقول: قد شاع فضلي بين الناس ولم يبق فيهم الا من عرف مزيتي وبلغه ذكري حتى رأى أدبي من لا يميز الأدب ، سمع شعري من لا يعير الشعر اذنا ، وكان المعري اذا أنشد هذا البيت يقول : أنا الاعمى ..

15- أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها و يختصم
الضمير من شواردها : الكلمات و يريد بها الاشعار ، جراها : من اجلها او بسببها..

يقول : أنام ملء جفوني عن شوارد الشعر لا أحفل بها لاني أدركها متى شئت بسهوله ، أما غيري من الشعراء فانهم يسهرون لاجلها ويختصم ويتنازع بعضهم بعضا على ما يظفرون به منها..

16- وجاهل مده في جهله ضحكي حتى أتته يد فراسة وفم
مده : أمهله وطول له ، اصل الفرس : دق العنق ..

يقول : رب جاهل خدعته مجاملتي واغتر بضحكي و استخفافي واتركه في جهله حتى افترسه وأبطش به، اي أنه يغضي عن الجاهل ويحلم الى أن يجازيه ويعصف به..
17- اذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن أن الليث يبتسم
يقول : إذا كشر الأسد عن نابه فليس ذلك تبسماً بل قصداً للافتراس ، يريد أنه و إن أبدى بشره و تبسمه للجاهل فليس ذلك رضا عنه ..
18- ومهجة مهجتي من هم صاحبها ادركتها بجواد ظهره حرم
المهجه : الروح ، الجواد: الفرس الكريم ، الهم : ما اهتممت به ، الحرم : مالا يحل انتهاكه..

يقول : رب مهجة همه صاحبها مهجتي أي قتلي و اهلاكي أدركت هذه المهجة بفرس من ركبه أمن من أن يلحق فكان ظهره حرم لا يدنو منه أحد..

19- رجلاه في الركض رجل واليدان يد وفعله ما تريد الكف و القدم

يصف جواده ويقول : لحسن مشيه واستواء وقع قوائمه في الركض كأن رجليه رجل واحدة لأنه يرفعهما معاً ويضعهما معاً، وكذلك يداه ثم يقول : وفعله ما تريد الكف والقدم أي أن جريه يغنيك عن تحريك اليد بالسوط والرجل بالاستحثاث..
20- ومرهف سرت بين الجحفلين به حتى ضربت وموج الموت يلتطم
المرهف : السيف الرقيق الشفرتين ، الجحفل : الجيش الكثير ..

ويقول : ورب سيف سرت به بين الجيشين العظيمين حتى قاتلت به و الموت غالب تلتطم أمواجه وتضطرب ..

21- الخيل و الليل والبيداء تعرفني والسيف و الرمح و القرطاس و القلم
يصف نفسه بالشجاعة والفصاحة وأن هذه الأشياء ليست تنكره لطول صحبته إياها ، ويقول الليل يعرفني لكثرة سراي فيه وطول إدراعي له ، والخيل تعرفني لتقدمي في فروسيتها، والبيداء تعرفني لمداومتي قطعها واستسهالي صعبها، والسيف والرمح يشهدان بحذقي بالضرب بهما، والقراطيس تشهد لإحاطتي بما فيها، والقلم عالم بإبداعي فيما أقيده ..

22- صحبت في الفلوات الوحش منفردا حتى تعجب مني القور والأكم
الفلوات : القفار، القور : جمع قارة وهي الأرض ذات الحجارة السوداء وتعني أيضاً أصاغر الجبال، الأكم : جمع أكمه و هو الجبل الصغير..

ويقول : سافرت وحدي وصحبت الوحش في الفلوات بقطعها مستأنساً بصحبة حيوانها حتى تعجب مني نجدها وقورها لكثرة ما تلقاني وحدي ..
23- يا من يعز علينا أن نفارقهم وجداننا كل شي بعدكم عدم
يقول : يامن يشتد علينا فراقه بما أسلف إلينا من عوارفه كل شيء وجدناه بعدكم فإن وجدانه عدم ، يعني لا يغني غناءكم أحد ولا يخلفكم عندنا بدل ..
24- ما كان أخلقنا منكم بتكرمة لو أن أمركم من أمرنا أمم
أخلقنا : أحرانا ، أمم : قريب
يقول : ماكان ببركم و تكرمتكم ولو كان أمركم في الاعتقاد لنا على نحو أمرنا في الاعتقاد لكم ، أي لو تقارب ما بيننا بالحب لكرمتمونا لأنا أهل للتكرمة ..
25- إن كان سركم ما قال حاسدنا فما لجرح إذا أرضاكم ألم
يقول : إن سررتم بقول حاسدنا وطعنه فينا فقد رضينا بذلك إن كان لكم به سرور، فإن جرحاً يرضيكم لا نجد له ألما..
26- كم تطلبون لنا عيبا فيعجزكم ويكره الله ما تأتون والكرم
يقول : كم تحاولون أن تجدوا لي عيبا تعيبوننا وتتعلقون عليه وتعتذرون به في معاملتي فيعجزكم وجوده، وهذا الذي تفعلونه يكرهه الله و يكرهه الكرم الذي يأبى عليكم إلا أن تنصفوني منكم و تكافئوني بالجميل ، وهذا تعنيف لسيف الدولة على إصغائه الى الطاعنين عليه والساعين بالوشاية..
27- ما أبعد العيب و النقصان من شرفي أنا الثريا وذان الشيب و الهرم
يقول : ما تلتمسونه فيّ من عيب و نقصان بعيد عني مثل بعد الشيب عن الثريا، فما دامت الثريا لا تشيب و لا تهرم فأنا لا يلحقني عيب ولا نقصان ..
28- فبأي لفظ تقول الشعر زعنفه تجوز عندك لا عرب ولا عجم
الزعنفه : اللئام السقاط من الناس و الأوباش ورذال الناس ..
ويقول : هؤلاء السقاط من الشعراء بأي لفظ يقولون الشعر وهم ليسوا عرباً ؟ لانهم ليست لهم فصاحة العرب، ولا كلامهم أعجمي يفهمه الأعجام : أي أنهم ليسوا شيئا ..
29- هذا عتابك إلا أنه مقة قد ضمن الدر إلا أنه كلم
المقه : المحبة ..
ويقول : هذا الذي أتاك من الشعر عتاب مني إليك الا انه محبه وود لانه العتاب يجري بين المحبين و يبقى الود ما بقى العتاب ، وهو در لحسنه في النظم و اللفظ ..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://dar-alkalima.forumotion.com
المعلم
المدير العام



عدد المساهمات : 1981
تاريخ التسجيل : 27/08/2007
العمر : 65

شرح قصيدة واحرقلباه Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح قصيدة واحرقلباه   شرح قصيدة واحرقلباه Emptyالجمعة 06 مايو 2011, 20:54

وَاحَــرَّ قَلبــاهُ مِمَّــن قَلْبُـهُ شَـبِمُ


وَاحَــرَّ قَلبــاهُ مِمَّــن قَلْبُـهُ شَـبِم ** ومَن بِجِسمي وَحالي عِنْدَهُ سَقَمُ

الشبم: البارد. والشبم: البرد ؛ وقد شبم الماء- بالكسر- فهو شبم، ومطر شبم، وغداة ذات شبم، وقيل لابنة الخس (الخس: رجل من إياد، وابنه الخس: الإيادية التي جاءت عنها الأمثال، واسمها هند ؛ وكانت معروفة بالفصاحة) . ما أطيب الأشياء ؟ قالت: لحم جزور سنمة، في غداة شبمة، بشفار خذمة، في قدور هزمة. أرادت في غداة باردة، والشفار الخذمة: القاطعة ؛ والقدور الهزمة السريعة الغليان، والشبم: الذي يجد البرد مع الجوع، قال حميد بن ثور:
بعَيْنِي قُطامِيٍّ نمَا فوقَ مِرْقَبِ

غَدا شَبِمًا يَنْقَضُّ بين الهجارِسِ

(القطامي- بضم القاف وفتحها- الصقر، مأخوذ من القطم، وهو المشتهى اللحم، والهجارس: الثعالب ؛ وقيل جميع ما تعسس من السباع ما دون الثعلب وفوق اليربوع.) يقول: واحر قلبي واحتراقه حبا وهياما بمن قلبه بارد لا يحفل بي ولا يقبل علي، وأنا عنده عليل الجسم لفرط ما أعاني وأقاسي فيه، سقيم الحال لفساد اعتقاده في هذا وقوله واحر قلباه: أصله واحر قلبي، فأبدل من الياء ألفًا طلبا للخفة، والعرب تفعل ذلك في النداء، واستجلب هاء السكت وأثبتها في الوصل كما تثبت في الوقف، وحرك الهاء لسكونها وسكون الألف قبلها، وللعرب في ذلك أمران: منهم من حرك بالضم تشبيها بهاء الضمير، وأنشدوا لامريء القيس:
وَقَدْ رَابنِي قَولهُا يَا هَنَا

هُ وَيحكَ أَلْحَقْتَ شَرَّا بِشرً

(قولهم يا هناه: أي يا رجل، لا يستعمل إلا في النداء، يقول: كنا متهمين فحققت الأمر) ومنهم من يحرك بالكسر على ما يوجد كثيرًا عند التقاء الساكنين.

مـا لـي أُكَـتِّمُ حُبّـاً قـد بَـرَى جَسَدي ** وتَدَّعِي حُبَّ سَيفِ الدَولةِ الأُمَمُ

براه: أنحله وأضناه: وأكتم: مبالغة من الكتمان، وتدعى: منصوب بأن مضمرة بعد الواو، وسكنه ضرورة، أو على لغة. يقول: إذا كان الناس يدعون حبه ويظهرون خلاف ما يضمرون فلم أخفي أنا حبه الذي برح بي وأسقمني، وأعين على نفسي بهذا الكتمان ؟

يــا أَعـدَلَ النـاسِ إِلاَّ فـي مُعـامَلَتي ** فيكَ الخِصامُ وأَنتَ الخَصْمُ والحَكَمُ

يقول: أنت أعدل الناس إلا إذا عاملتني فإن عدلك لا يشملني ؛ وفيك خصامي وأنت الخصم والحكم، لأنك ملك لا أحاكمك إلى غيرك، وإنما أستعدي عليك حكمك والخصام وقع فيك. وإذن كيف ينتصف منك ؟ قال ابن جني: هذه شكوى مفرطة لأنه قال في موضع آخر:
ومَا يُوُجِعُ الحْرمانُ مِنْ كفِّ حارمِ

كما يوُجع الحْرمانُ من كف رازق

وإذا كان عدلا في الناس كلهم إلا في معاملته فقد وصفه بأقبح الجور.

أُعِيذُهــا نَظَــراتٍ مِنْــكَ صادِقَـةً ** أَنْ تَحْسَـبَ الشَـحمَ فيمَـن شَـحْمُهُ وَرَمُ

قال ابن جني: سألته- أي المتنبي- عن الهاء (في أعيذها) على أي شيء تعود ؟ فقال: على (النظرات) وقد أجاز مثله أبو الحسن الأخفش في قوله تعالى (فإنها لا تعمى الأبصار) فقال: الهاء راجعة إلى الأبصار وغيره من النحويين يقول: إنها إضمار على شريطة التـفسير، كأنه فسر الهاء بالنظرات، ونظرات- كما قال التبريزي- في موضع نصب على التمييز: أي من نظرات. يقول: إنك إذا نظرت إلى شيء عرفته على ما هو عليه فنظراتك صادقة تصدقك فلا تغلط فيما تراه فلا تحسب الورم شحما. وهذا مثل، يقول: لا تظن المتشاعر شاعرا كما يحسب الورم سمنا.

ومــا انتِفـاعُ أَخـي الدُنيـا بِنـاظرِهِ ** إِذا اســتَوَتْ عِنـدَهُ الأَنـوارُ والظُلَـمُ

الناظر: العين. يقول: إذا لم يميز الإنسان البصير بين النور والظلمة فأي نفع له في بصره ؟ يعني: يجب أن تميز بيني وبين غيري ممن لم يبلغ درجتي كما تميز بين النور والظلمة، لأن الفرق بيني وبين غيري ظاهر ظهور الفرق بين النور والظلمة، فلا ينبغي أن يستويا في عيني البصير.

سَــيَعْلَمُ الجَـمْعُ مِمَّـن ضَـمَّ مَجْلِسُـنا ** بِــأنَّني خَـيْرُ مَـن تَسْـعَى بِـهِ قـدَمُ
أَنـا الَّـذي نَظَـرَ الأَعمَـى إلـى أَدَبي ** وأَســمَعَتْ كَلِمـاتي مَـن بِـهِ صَمَـمُ

يقول: إن الأعمى على فساد حاسة بصره أبصر أدبي، وكذلك الأصم سمع شعري، يعني: أن شعره سار في آفاق البلاد واشتهر حتى تحقق عند الأعمى والأصم أدبه، فكأن الأعمى رآه لتحققه عنده ؛ وكأن الأصم سمعه. وكان المعري إذا أنشد هذا البيت يقول: أنا الأعمى.


أَنـامُ مِـلءَ جُـفُوفي عـن شَـوارِدِها ** ويَسْــهَرُ الخَــلْقُ جَرَّاهـا ويَخـتَصِمُ

الشوارد: سوائر الأشعار- من قولهم شرد البعير: إذا نفر- والضمير في (شواردها): للكلمات ؛ قال ابن جني: يحتمل أن يراد بالكلمات: جمع كلمة التي هي اللفظة الواحدة، وهذا أشد في المبالغة. ويجوز أن يعني بالكلمات القصائد، وهم يسمون القصيدة كلمة. وملء جفوني موضع المصدر: أي أنام نومًا ملء جفوني. ويقال: فعلت ذلك جراك ومن جرائك: أي من أجلك. وكذلك من جلالك ومن إجلالك، ومن جللك، كله من أجلك قال جميل:
رَسْمِ دارِ وَقفْتُ في طَلَـلِه

كِدْتُ أَقْضِي الغَدَاةَ من جَلَلِـه

[ أي من أجله. وقيل من جللك: من عظمك في عيني. وقوله رسم دار: قال ابن سيده: أراد رب رسم دار، فأضمر (رب) وأعملها فيما بعدها مضمرة] وأنشد الكسائي على قولهم: فعلته من جلالك- أي من أجلك- قول كثير:
حَيائِيَ مِنْ أسماءَ والْخَرقُ بَينَنا

وإكرَامِيَ القَوْمَ العِدَا من جَلالهِا

[ الخرق: البعد] ووحد الضمير في (يختصم) على لفظ الخلق، لا معناه. يقول أنا أنام ملء جفوني عن شوارد الشعر لا أحفل بها لأني أدركها متى شئت بسهولة، أما غيري من الشعراء فإنهم يسهرون لأجلها ويتعبون ويختصمون. قال الواحدي: ومعنى الاختصام اجتذاب الشيء من النواحي والزوايا مأخوذ من الخصم، وهو طرف الوعاء (جاء في اللسان: الخصم- بالضم- جانب العدل وزاويته، يقال للمتاع إذا وقع في جانب الوعاء من خرج أو جوالق أو عيبة: قد وقع في خصم الوعاء وفي زاوية الوعاء، قال: وخصوم السحابة جوانبها. قال الأخطل يصف سحابًا:
إذا طَعَنَت فيه الْجَنُوبُ تحامَلتْ

بأعجاز جرّار تَدَاعى خصومها

أي تجاوب جوانبها بالرعد، وطعن الجنوب فيها سوقها إياه، والجرار: الثقيل ذو الماء، وتحاملت بأعجازه دفعت أواخره خصومها: أي جوانبها) يقول: إنهم يجتذبون الأشعار احتيالا ويجتلبونها استكراهًا.

الخَــيْلُ واللّيــلُ والبَيـداءُ تَعـرِفُني ** والسَـيفُ والـرُمْحُ والقِرطـاسُ والقَلَـمُ

البيداء: الفلاة ؛ وتعرفني: يروى تشهد لي، ويروى بدل السيف والرمح الضرب والطعن وروى الواحدي: والحرب والضرب. يصف نفسه بالشجاعة والفصاحة وأن هذه الأشياء ليست تنكره لطول صحبته إياها. يقول: الليل يعرفني لكثرة سراي فيه وطول إدراعي له، والخيل تعرفني لتقدمي في فروسيتها، والبيداء تعرفني لمداومتي قطعها واستسهالي صعبها، والسيف والرمح يشهدان بحذقي في الضرب بهما، والقراطيس تشهد لإحاطتي بما فيها، والقلم عالم بإبداعي فيما أقيده، هذا: والقرطاس والقرطاس والقرطاس والقرطس كله الصحيفة الثابتة التي يكتب فيها. وأنشد أبو زيد لمخش العقيلي يصف رسوم الدار وآثارها كأنها خط **ور كتب في قرطاس:
كأنّ بحيْثُ اسْتَودَعَ الدّارَ أهْلُهْا

مَخَطّ زَبُورٍ مِنْ دَوَاةٍ وَقِرْطَس



صَحِـبتُ فـي الفَلَـواتِ الوَحشَ مُنْفَرِداً ** حــتَّى تَعَجَّـبَ منَّـي القُـورُ والأَكَـمُ

الفلوات: القفار، والقور: جمع قارة، وهي الأرض ذات الحجارة السوداء، والقور أيضا: أصاغر الجبال ؛ وأعاظم الآكام- جمع أكمة- قال منظور بن مرئد الأسدي:
هَلْ تَعْرِف الدار بأعْلى ذِي القُورْ

قد دَرَسَتْ غَيرَ رَمَادٍ مَكْفُورْ
مُـكْـتَئِبِ اللّوِنِ مَرُوحٍ ممطورْ

أزْمانَ عَيْناءُ سُرورُ المسْرُورْ

(قوله بأعلى ذي القور: أي بأعلى المكان الذي بالقور. وقوله قد درست غير رماد مكفور. أي درست معالم الدار إلا رمادا مكفورا، وهو الذي سفت عليه الريح التراب فغطاه وكفره. وقوله مكتئب اللون: يريد أنه يضرب إلى السواد كما يكون وجه الكئيب، ومروح أصابته الريح ؛ وممطور أصابه المطر، وعيناء مبتدأ وسرور المسرور خبره والجملة في موضع خفض بإضافة أزمان إليها. يقول: هل تعرف الدار في الزمان التي كانت فيه عيناء سرور من رآها وأحبها.) والقور: يروى القوز- بفتح القاف وبالزاي- وهو الكثيب الصغير. وجمعه أقواز وقيزان. قال ذو الرمة:
إلى ظعُنٍ يَقْرضنَ أقوازَ مُشْرِفٍ

شمالا وَعن أيمانِهنّ القَوارِسُ

(قرض المكان يقرضه قرضا: عدل عنه وتنكبه، ومشرف والفوارس: موضعان يقول: نظرت إلى ظعن يجزن بين هذين الموضعين.) ويروى: الغور، وهو المطئن من الأرض، والأكم: جمع أكمة، الجبل الصغير. يقول: سافرت وحدي وصحبت الوحش في الفلوات منفردا بقطعها مستأنسا بصحبة حيوانها حتى تعجب مني نجدها وغورها لكثرة ما تلقاني وحدي.


يــا مَــن يَعِـزُّ عَلَينـا أن نُفـارِقَهم ** وَجداننــا كُـلَّ شَـيءٍ بَعـدَكُمْ عَـدَمُ

يقول: يا من يشتد علينا فراقه بما أسلف إلينا من عوارفه كل شيء وجدناه بعدكم فإن وجدانه عدم، يعني لا يغني غناءكم أحد ولا يخلفكم عندنا بدل.

مــا كــانَ أَخلَقَنــا مِنكُـم بِتَكرِمـة ** لَــو أَن أَمــرَكُمُ مِــن أَمرِنـا أَمَـمُ

ما أخلقه بكذا وأقمنه وأجدره وأحراه وأولاه: بمعنى، وأمم قريب يقول: يقول: ما كان أحرانا ببركم وتكرمتكم في الاعتـقاد لنـا على نحو أمرنا في الاعتقاد لكم! يعني لو تقارب ما بيننا بالحب لكرمتمونا، لأنا أهل للتكرمة.

إِن كــانَ سَــرَّكُمُ مـا قـالَ حاسِـدُنا ** فَمــا لِجُــرْحٍ إِذا أَرضــاكُمُ أَلَــمُ


يقول: إن سررتم بقول حاسدنا وطعنه فينا فقد رضينا بذلك إن كان لكم به سرور، فإن جرحا يرضيكم لا نجد له ألما، لأن كل سرورنا في سرورنا في سروركم ورضانا في رضاكم، قال الواحدي: هذا من قول منصور الفقيه:
سُرِرْت بهَجْرِكِ لمّا عَلِم

تُ أنّ لقَلبِك فيهِ سُرُورَا
وَلوْلا سُرُورُك ما سَرّني

ولا كُنْتُ يومًا عَلَيْهِ صَبُورا


لأني أرَى كلَّ ما ساءَني

إذا كان يُرضيكِ سهلا يسيرا


كَــم تَطلُبُــونَ لَنـا عَيبـاً فيُعجِـزُكم ** ويَكــرَهُ اللــه مـا تـأْتُونَ والكَـرَمُ

يقول: كم تحاولون أن تجدوا لي عيـبا تعيبوننا وتتعلقون عليه وتعتذرون به في معاملتي فيعجزكم وجوده، وهذا الذي تفعلونه يكرهه الله ويكرهه الكرم الذي يأبى عليكم إلا أن تنصفوني منكم وتكافئوني بالجميل. وهذا تعنيف لسيف الدولة على إصغائه إلى الطاعنين عليه والساعين بالوشاية.

مـا أَبعَـدَ العَيْـبَ والنُقصانَ من شَرَفي ** أَنــا الثُرَيَّــا وَذانِ الشَـيبُ والهَـرَمُ

وذان: أي العيب والنقصان يقول: إن بعد ما بيني وبين النقصان والعيب كبعد الثريا من الشيب والهرم، فكما لا يلحقها الشيب والهرم لا يلحقني العيب والنقصان

شَــرُّ البِـلادِ مَكـانٌ لا صَـديقَ بـهِ ** وشَـرُّ مـا يَكْسِـبُ الإِنسـانُ مـا يَصِمُ

يصم: يعيب. يقول: شر البلاد مكان لا يوجد فيه من يستروح إليه ويؤنس بوده وشر ما كسبه الإنسان ما عابه وأذله، يريد أن هبات سيف الدولة وإن كثرت- مع جلالتها وسعتها- لا تعادل تقصيره في حقه وإيثاره لحساده.

بــأَيَّ لَفْــظٍ تَقُـولُ الشِـعْرَ زِعْنِفـةٌ ** تجُــوزْ عِنـدَكَ لا عُـرْبٌ وِلا عَجَـمُ

الزعنفة - وجمعه زعانف - اللئام السقاط من الناس. وهو مأخوذ من زعنفة الأديم - الجلد - وهو ما تساقط من زوائده، أو من زعانف السمك - وهي أجنحته - أو من زعانف القميص وهي ما تخرق من أسافله وكل هذا يشبه به الأوباش ورذال الناس. وتجوز من جواز الدرهم وهو رواجه، وروى تخور: من خوار البقر، وهو تصح-ف، كما قال الواحدي، وإن كان صحيحًا في المعنى. وهذا كما يروى أن رجلا قرأ على حماد الراوية شعر عنترة:إذ تستبيك بذِي غروب واضحٍ فأبدل من الباء في (تستبيك) نونا، فضحك حماد وقال: أحسنت، لا أرويه بعد اليوم إلا كما قرأت. يقول - مخاطبا سيف الدولة-: هؤلاء السقاط من الشعراء بأي لفظ يقولون الشعر وهم ليسوا عربا؟ لأنهم ليست لهم فصاحة العرب ولا كلامهم أعجمي يفهمه الأعجام: أي أنهم ليسوا شيئا. وعبارة الواحدي: هؤلاء الخساس اللثام من الشعراء بأي لفظ يقولون الشعر وليست لهم فصاحة العرب ولا تسليم العجم الفصاحة للعرب فليسوا شيئا؟.`

هـــذا عِتـــابكَ إِلاَّ أَنَّــهُ مِقَــةٌ ** قــد ضُمِّــنَ الــدُرَّ إِلاَّ أَنَّـهُ كَـلِمُ

المقة: المحبة. يقول: هذا الذي أتاك من الشعر عتاب مني إليك إلا أنه محبة وود، لأن العتاب يجري بين المحبين
ويبقى الود ما بقي العتاب
وهو در- يعني حسن نظمه ولفظه- إلا أنه كلمات، وعبارة العكبري: هذا عتابك وهو وإن أمضك وأزعجك محبة خالصة ومودة صادقة، فباطنه غير ظاهره، كما أنه قد ضمن الدر لحسنه، وإن كان كلامًا معهودًا في ظاهر لفظه.

تحليل المضمون تحليلاً أدبيًا:
- الموضوع وأهميته: تتناول الأبيات عتابًا رقيقًا من الشاعر لسيف الدولة الحمداني الذي جفاه بسبب ما سعى به الوشاة والحاقدون، كما تتناول افتخار الشاعر بنفسه. وهذه الأمور مهمة للشاعر فقط، وتقتصر أهميتها بالنسبة للآخرين على التعرف على أسلوب الشاعر، وكيف استطاع أن يصور تصويرًا بليغًا مشاعره وأحاسيسه، بالإضافة إلى بعض القيم النبيلة التي وردت في القصيدة.
- الأفكار وترابطها: تبدأ الأبيات بداية مؤثرة تصور حرارة قلب الشاعر ولوعته لما أصاب العلاقة بينه وبين سيف الدولة، وذلك كما يبدو حتى يؤثر في سيف الدولة لعله يعود عن جفوته للشاعر، ثم انتقل إلى الإقناع العقلي بعد الإقناع العاطفي فالشاعر لا يطلب سوى العدل في المعاملة وعدم الاغترار بالمظاهر، فالشاعر يغلي بركانًا بسبب فتور علاقة سيف الدولة به حتى وإن بدا غير مكترث بذلك، لأن المظهر لا يدل دائمًا على الجوهر والمخبر.
وعندما يصل الشاعر إلى هذه النقطة يبدا في الفخر بنفسه وشجاعته وشاعريته حتى لا يظن سيف الدولة أنه إنما يطلب مطامح تافهة، ولكن ما يحركه إنما هو مشاعره الصادقة نحو سيف الدولة.ويسهب الشاعر في هذا الفخر، فشعره قد أثر في الأعمى والأصم فما بال البصير والسميع؟ حتى أنه يقول أبياتًا من الشعر وينام نومًا هادئًا ويترك الآخرين يتجادلون في فهم معناها. وهو قد أصبح من الشهرة بمكان حتى أن الجمادات والحيوانات تعرفه حق المعرفة، وهو في المعارك لا يهاب الموت بل ينغمس بين صفوف الأعداء يقتِّل فيهم يمينًا وشمالاً.
بعد كل ذلك الفخر يعود الشاعر إلى العتاب الذي بدأ به قصيدته، ولكنه يبدأ باستفهام استنكاري،فهو يستهجن كيف رضي سيف الدولة بفراق الشاعر في حين أن هذا الفراق قد عزَّ عليه كثيرًا وجعله كالعدم، ولكن إن كان يرضيه ما سعى به الواشون فلا بأس لأن رضا سيف الدولة سيبرئ جراحات الشاعر، وإن كانت هذه الجراحات عميقة مؤثرة، فالشاعر كالثريا لم يتعود أن يقاطعه أحد، وهو يرى أن البلاد إن خلت من صديق فهي شر البلاد. وكل ذلك يقصد الشاعر من إيراده أن يؤثر في سيف الدولة ويستميل قلبه حتى يعيد ما انقطع من علاقة حميمة بينهما.
وأخيرًا يبين الشاعر أن كل ما قاله في قصيدته إنما هو عتاب بلغة قوية كالجواهر وليس تقريعًا أو ذمًا لسيف الدولة، حتى لا يستغل الواشون ذلك مرة أخرى ويزيدون في السعاية بينهما.
ومن كل ذلك نرى أن القصيدة محكمة السبك، وأفكارها في منتهى الترابط والتسلسل، وكل بيت جاء في مكانه المناسب. حتى ولو أنه بالإمكان تقديم أو تأخير بعض الأبيات دون إخلال كبير بالمعنى، ولكنها في وضعها الحالي في أنسب موضع.
-عمق المعاني: تتَّسم قصيدة المتنبي هذه بالعمق وعدم السطحية، وهي تشتمل على جوانب عاطفية وفكرية عديدة وعميقة. فقلبه يتحرَّق شوقًا لسيف الدولة، وهو الذي تعرفه الخيل والليل والبيداء والسيف والرمح والقرطاس والقلم، وهو الذي لا يهاب القتال ، فيسير بين الجيشين يضرب في الأعداء لا يهاب الموت الذي هو كالبحر متلاطم الأمواج، وهو الذي كالثريا شرفًا وعزًا، وهو الذي عتابه لسيف الدولة دُرَرٌ وجواهر ... إلى آخر هذه المعاني العميقة التي يصورها الشاعر أجمل تصوير في قالب مؤثر.
-سمو المعاني: تدعو القصيدة بطريقة غير مباشرة إلى العديد من المعاني السامية كالمحافظة على ود الأصدقاء حتى وإن جفوا، والعدل في معاملة الجميع، وعدم الاغترار بالمظاهر، والعزة والكرامة، والشجاعة في قتال الأعداء ...إلخ.
-شمول المعاني: تتناول القصيدة أساسًا العتاب والفخر، وهما موضوعان ليسا من الموضوعات الشاملة أو العامة التي تهم كل إنسان في كل زمان ومكان، إنما قد تعرض للإنسان في لحظات معينة. أما المعاني السامية التي تحدثنا عنها في الفقرة السابقة فهي أكثر شمولية وعمومية من العتاب والفخر.
-جدة المعاني وأصالتها: وردت في القصيدة الكثير من المعاني التي لم يسبق الشاعر فيها أحد، وتعبِّر عن أصالة وجدَّة في شعر المتنبي. ومن هذه المعاني:
- تصوير سيف الدولة بأن القاضي والخصم والقضية المطروحة للمداولة في المحكمة.
- تصوير الأعمى وقد امتلك حاسة خاصة استطاع بواسطتها رؤية شعر المتنبي.
- تصوير الأصم وقد امتلك وسيلةً ما، استطاع بواسطتها سماع شعر المتنبي.
- تصوير الحصان في عدوه أثناء المعركة بأن أصبحت له رجل واحدة ويد واحدة نظرًا لتلاصق رجليه وتلاصق يديه.
- تصوير الموت ببحر متلاطم الأمواج لا يفلت منه أحد في أرض المعركة.
- معرفة الجمادات والحيوانات للشاعر حق المعرفة.
- تصوير عتاب الشاعر لسيف الدولة بالدُّرر والجواهر.
-العاطفة: سيطرت على الشاعر في القصيدة عاطفة فخر واعتزاز بالنفس، بالإضافة إلى عاطفة ألم وحزن على فتور العلاقة بينه وبين سيف الدولة. وقد كانت هاتان العاطفتان صادقتان تعبِّران تعبيرًا حقيقيًا عمَّا يجيش في نفس الشاعر، كما أنهما عاطفتان جاءتا قويتين مؤثرتين تؤثران في كل من يقرأ قصيدة المتنبي، فمقاطعة سيف الدولة للمتنبي سيطرت على الشاعر وأخذت عليه كل كيانه ووجدانه.
-الخيال: وردت في القصيدة الكثير من الأخيلة التي ساعدت في إبراز فكرة الشاعر وتصوير عواطفه تصويرًا بليغًا، ومن ذلك :
- تخُّيل الجمادات والحيوانات قد تحولت أشخاصًا يصادقون الشاعر ويعرفونه حق المعرفة، فالخيل والليل والبيداء تعرفه، وكذلك السيف والرمح والقرطاس والقلم. وتخيل معي كل هذه الأمور وقد تحولت أشخاصًا تصادق الشاعر وتبادله العواطف والأحاسيس.
- تخيُّل الكلام ( عتاب الشاعر لسيف الدولة) وقد تحوَّل إلى دُرٍّ وجواهر تلمع فتأخذ الأبصار، وهذا أمر يسرُّ النفس، ولا يسئ إليها بشيء.


3- تحليل الشكل تحليلاً أدبيًا:
أ- الألفاظ:
* جاءت ألفاظ القصيدة قوية متماسكة تؤثر في النفس، وتعبِّر عن عواطف الشاعر وأفكاره أصدق تعبير.
ففي البيت الأول الذي يصوِّر الشاعر فيه مدى لوعته على جفوة سيف الدولة له، استخدم كلمة
" واحرَّ" الدالة على التفجع، ثم استخدم " قلباه" ولم يستخدم " قلبي" لنفس الغرض.
وفي البيت الثاني استخدم كلمة " أُكتِّم" بتشديد التاء ولم يقل: " أكتُم" ليصور حرصه ومبالغته في كتم هذا الأمر الذي لا يقوى على كتمانه وهو حبه لسيف الدولة.
ثم نراه في أحد الأبيات يقول: أنا الذي نظر الأعمى " ولم يقل " نظر القارئ" مثلاً ليبين مدى تأثير شعره في المتلقِّين لدرجة أن الأعمى يستطيع رؤيته من لمعانه وبريقه. ومثل ذلك استخدم كلمة " صمم" بعد الفعل " أسمعت".
ثم نراه يستخدم كلمة" لا تظنَّنَّ" زيادة في التوكيد على النهي عن الانخداع بالمظاهر.
* ألفاظ الشاعر في مجملها سلسة قريبة من الأفهام لا تنافر بين حروفها وإن وردت بعض الألفاظ الغريبة مثل : شبم ، يَصِم ، مِقَة ، القِرطاس . أما باقي الألفاظ فهي في أغلبها فهي قريبة الفهم سهلة سلسة.
* وتعبِّر كثير من الألفاظ عن البيئة التي عاشها الشاعر، كما تعبِّر عن أسلوبه في الحياة، وحبه للشجاعة والفروسية، ومن تلك الألفاظ: الليث – جواد – حَرَم – الركض – الخيل – الليل – البيداء – السيف – الرمح – القرطاس – القلم – الثريا – جُرح.
* وقد سبق الحديث أن قصيدة الشاعر تناولت غرضين شعريين هما العتاب والفخر، فجاءت ألفاظ القصيدة متناغمة مع هذين الغرضين، وتعبر عنهما تعبيرًا واضحًا.
- ففي العتاب استخدم الشاعر ألفاظًا مثل: واحرَّ، قلباه، سقم، أعدل، صديق، عتابك.
- وفي الفخر استخدم الشاعر ألفاظًا بصيغة المتكلم مثل: أدبي – كلماتي – أنام – جفوني – مهجتي – أدركتُها – سرتُ – ضربتُ – تعرفني – شرفي – أنا.
ب - التراكيب: تراكيب القصيدة فصيحة بليغة لا يتعثر فيها اللسان ولا الذوق، ولاتقع فيها على تنافر في الألفاظ أو غموض أو مخالفة لأقيسة اللغة .
o وقد جاءت كثير من التراكيب معبِّرة تعبيرًا صادقًا عن عواطف الشاعر وانفعالاته مثل: واحرَّ قلباه ، قلبه شبم ، مالي أكتِّم ، فيك الخصام، وأنت الخصم والحكم، نظر الأعمى ... إلخ.
o وقد أكثر الشاعر من التراكيب التي تفيد الاحتراس والدقة في تحديد المقصود ومن ذلك:
- التركيب " عنده" في البيت الأول في قوله " ومن بجسمي وحالي عنده سقم" وذلك ليبين أن جسمه وحاله ليستا في حالة سقم في جميع الأحوال إنما فقط عند سيف الدولة.
- التركيب " منك" في قوله" " أعيذها نظراتٍ منك صادقةً"، فهو يريد أن يلفت نظر سيف الدولة دون غيره إلى هذا الأمر وهو عدم الاغترار بالمظاهر.
- التركيب " عنده" في قوله: " إذا استوت عنده الأنوار والظلم" فالأنوار والظًّلَم لا تستوي إلاعند الأعمى، أما في الحقيقة فهما غير مستويان.
- التركيب" في الركض" في قوله: " رجلاه في الركض رجلٌ" احتراساً من أن يظن أحد أن حصان الشاعر برجلٍ واحدة، إنما يظهر في الركض فقط وذلك لانضمام الرجلين وتلاصقهما، وهذا لا يكون إلا في شدة السرعة.
- الأسلوب: يتميز أسلوب الشاعر في هذه القصيدة بما يلي:
o بروز شخصية الشاعر في قصيدته، وشدة إيمانه برأيه، وقوة اعتداده بنفسه، ولذلك أكثر الشاعر من استخدام صيغة المتكلم في القصيدة.
o رصانة الأسلوب وجودة التركيب في متانةٍ وإحكام.
o الإكثار من التشبيهات والاستعارات الأنيقة، وقد بدا ذلك واضحاً جليًا عند حديثنا عن الصور الجمالية في القصيدة.
o انتقاء الألفاظ الفخمة المؤدية للمعنى، مع سلاسة وفصاحة، وقد يستخدم الغريب أحيانًا، كما سبق القول عند الحديث عن ألفاظ القصيدة.
o الغوص إلى المعاني السامية والأفكار العالية، واقتناصها بيسر وسهولة، وتناولها برفق حتى ينقاد له الأسلوب، فتأتي معانيه مجلوَّة، وأساليبه واضحة فصيحة لا تعقيد فيها ولا خفاء.
o المبالغة في بعض معانيه مثل قوله:
- أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي.
- وأسمعت كلماتي من به صمم.
- ويسهر الخلق جرَّاها ويختصم.
- فالخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم.
o استطاع أسلوب الشاعر أن يصور العاطفة تصويرًا بليغًا مؤثرًا.
o يراعي أسلوب الشاعر في مجمله تآلف الكلمات والتراكيب في تكوين الجمل والعبارات.
o استخدم المحسنات البديعية مثل: الطباق: ( حَرّ، شبم) ، ( أكتَّم، تدَّعي) ، ( الأنوار، الظُّلَم) ، ( أنام، يسهر) ، ( سَرَّكم، ألم) ، الجناس: ( الخصام، الخصم) ، ( موج، الموت) ، ( الخيل، الليل).

5. دلالات الألفاظ والعبارات:
• واحرَّ قلباه: دليل شوقه الشديد لسيف الدولة الحمداني.
• ممَّن قلبِه شبِمُ: دليل على عدم شوق سيف الدولة للمتنبي وعلى فتوره وعدم اهتمامه.
• مالي أكَتِّم: دليل على حرصه على كتمان الأمر والتشديد في هذا الأمر.
• مالي أكتِّم ---- البيت: خرج الاستفهام عن معناه إلى الاستنكار، فهو يستنكر على نفسه أن تقوم بكتمان حبه لسيف الدولة ، في حين أن الناس جميعًا يدَّعون ويظهرون حبهم له.
• يا أعدل الناس إلا في معاملتي: استهجان من الشاعر لسلوك سيف الدولة الذي يعامل الشاعر معاملة تختلف تمامًا عن معاملته لجميع الناس بالعدل والإنصاف.
• وأنت الخصم والحَكَمُ: دليل على يأسه من أن يقوم سيف الدولة بإنصافه.
• إذا استوت عنده الأنوار والظلم: دليل على أنه أعمى لا يفرِّق بين النور والظلام.
• أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي: دليل على جودة شعره المكتوب.
• وأسمعت كلماتي من به صمم:دليل على جودة شعره المقروء.
• ويسهر الخلق جَرَّاها ويختصم: دليل على عمق معانيها وعدم الوصول إلى هذه المعاني بسهولة.
• فلا تظنَّنَّ أنَّ الليث يبتسم: دليل على وجوب عدم الانخداع بالمظاهر.
• أدركتُها بجوادٍ ظهره حَرَم: دليل على سرعة الجواد، وكذلك دليل على فروسية الشاعر.
• رِجلاه في الركض رِجلُ واليدان يدُ: دليل على السرعة، لأن الحصان عندما يجري بسرعة تنضم رجلاه وتقفزان معًا كأنهما رِجلٌ واحدة، كذلك تفعل اليدان.
• ومرهفٍ سرتُ بين الجحفلين به: دليل على شجاعته.
• حتى ضربتُ وموج الموت يلتطم: دليل على هول الموقف وشدة وطيس المعركة.
• فالخيل والليل والبيداء تعرفني ---- البيت: دليل على شهرته التي طبَّقت الآفاق.
• ما أبعد العيب والنقصان عن شرفي: دليل على شرفه وأنه لا يقترف الآثام أبدًا.
• قد ضُمِّن الدُّر إلا أنه كَلِمُ: دليل على فصاحته وبلاغة كلامه.

6- الصور الجمالية:
• واحَرَّ قلباه: شبَّه الشوق في قلبه لسيف الدولة بالشيء الحار.
• فيمن قلبه شبم: شبَّه عدم شوق سيف الدولة له بشئ بارد.
• مالي أكتِّم حبًا قد برى جسدي: شبَّه حبَّه لسيف الدولة بمادة مذيبة أذابت جسمه فأصبح نحيلاً.
• فيك الخِصام وأنت الخصم والحكم: شبَّه ما بينه وبين سيف الدولة بما يجري في قاعة المحكمة، ولكن الدعوى في تلك المحكمة خاصة بسيف الدولة الذي هو أيضًا الخصم والقاضي في هذه القضية، ولذلك فإن الإنصاف فيها مستبعد.
• أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم: شبَّه نفسه بإنسان قد ورم جسمه فظنه البعض سمينًا، وكذلك هو في ظاهرِهِ أمام الناس معافى، ولكنه في الحقيقة يعاني من فتور العلاقة بيننه وبين سيف الدولة الحمداني.
• وما انتفاع أخي الدنيا بناظره إذا استوت عنده الأنوار والظُّلم: شبَّه الشاعر سيف الدولة بالأعمى الذي لا يفرق بين النوروالظلمة، فهو لا يميز بين أحوال الشاعر في حال معاناته وبينها في حالة اطمئنانه، فلا فائدة من بصره.
• أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي: شبَّه قوة شعره وفصاحته بأشعة من نوع خاص تستطيع أن تنفذ إلى عين الأعمى فيرى ويبصر ما كتبه من شعر.
• وأسمعت كلماتي من به صمم: شبَّه شعره بصوت قوي يستطيع أن ينفذ إلى آذان الصُّم فيسمعون هذا الصوت.
• إذا رأيت نيوب الليث بارزةً فلا تظنَّنَّ أن الليث يبتسم: شبَّه حاله التي تبدو طبيعية سعيدة في حين أنه يعاني ويكابد، بحال أسد يُبرز أنيابه فيبدو أنه يضحك ويبتسم، فالمظهر في كلا الحالين لايدل على المخبر والحقيقة.
• ومهجةٍ مهجتي من هَمِّ صاحبها أدركتُها بجوادٍ ظهره حَرَمُ: شبَّه مهجته من شدة معاناتها وهَمِّ صاحبها بناقةٍ قد غادرت المكان بسرعة فائقة فلم يستطع إدراكها إلا بجواد كريم سريع.
• رجلاه في الركض رجلٌ واليدان يد: شبَّه رِجْلَي الجواد برجل واحدة لأنهما متلاصقتان، وهذا لا يكون إلا في ذروة سرعة الجواد، وكذلك شبَّه يديه بيدٍ واحدة لنفس السبب.
• حتى ضربتُ وموج الموت يلتطم: شبَّه الموت في تلك المعركة ببحرٍ ذي موج عظيم. كما شبَّه ارتطام الموج بعضه ببعض بمن يلطم خده حزنًا.
• فالخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم: جعل الشاعر من الجمادات كائناتٍ حيَّة تعرف الشاعر حق المعرفة فما بال البشر؟!
• إنْ كان سرَّكم ما قال حاسدنا فما لجرحٍ إذا أرضاكمُ ألمُ: شبَّه الشاعر رضا سيف الدولة عنه بدواء شافٍ يجعل جراحاته غير مؤلمة حتى وإن كان سبب رضا سيف الدولة سروره بما قال الحاسدون.
• أنا الثريا وذان الشيب والهرم: شبَّه الشاعر نفسه بالثريا في السماء التي لا يطالها أحدُ شرفًا ومكانة، وهو يردُّ بذلك على من جعل شيبه عيبًا وهرمه نقصاناً، فإن ذلك لا يؤثر على شرفه ومكانته.
• هذا عتابك إلا أنه مقة قد ضُمِّن الدُّرَّ إلا أنه كَلِمُ: جعل الشاعر معاتبته لسيف الدولة نوعًا من المحبة، ثم شبَّه ما تضمنه هذا العتاب بالدُّر واللآلئ ولكنها ليست لآلئ حقيقية إنما هي الكلام الفصيح الجميل. أي أنه شبَّه الكلام الذي قاله في معاتبة سيف الدولة بالدُّرِّ واللآلئ.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://dar-alkalima.forumotion.com
 
شرح قصيدة واحرقلباه
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قصيدة واحرقلباه
» شرح قصيدة كن بلسماً
» واحرقلباه - شرح القصيدة
» شرح قصيدة الطالب
» قصيدة البلبل

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أقلام واعدة  :: العام الدراسي : 2010/2011 :: الصف التاسع-
انتقل الى: