تحليل سيميائي لنص"إلى أخي الذي يطلب العلم في الخارج"للكاتب علي الطنطاوي
تعريف بالكاتب :
هو علي بن مصطفى الطنطاوي، ولد في مدينة دمشق في 12 حزيران 1909، لأسرة ذات علم ودين. أما أبوه الشيخ مصطفى فكان من العلماء المعدودين في الشام وتوفي عام 1925.
نال علي الطنطاوي البكالوريا سنة 1928. ثم ذهب إلى مصر ودخل دار العلوم العليا، ولكنه لم يتم السنة وعاد إلى دمشق في السنة التالية فدرس الحقوق في جامعتها حتى نال الليسانس سنة 1933.
ابتدأ الطنطاوي التدريس في المدارس الأهلية في دمشق وهو في الثامنة عشرة من عمره، وقد طبعت محاضراته التي ألقاها على طلبة الكلية الوطنية في دروس الأدب العربي عن (بشار بن برد) في كتاب عام 1930.
عام 1941 دخل الطنطاوي سلك القضاء، فعين قاضياً في النبك مدة أحد عشر شهراً ثم قاضياً في دوما (من قرى دمشق)، ثم قاضياً ممتازاً في دمشق مدة عشر سنوات فمستشاراً لمحكمة النقض في الشام، ثم مستشاراً لمحكمة النقض في القاهرة أيام الوحدة مع مصر.
يعد الشيخ علي الطنطاوي أحد رموز الدعوة الإسلامية الكبيرة في العالم العربي وشخصية محببة ذائعة الصيت نالت حظاً واسعاً من الإعجاب والقبول، وله سجل مشرف في خدمة الإسلام والمسلمين.
ترك الطنطاوي عدة مؤلفات منها : تعريف عام بدين الإسلام، صور وخواطر.
بين يدي النص
النص هو عبارة عن رسالة إخوانية كتبها الكاتب إلى أخيه الأصغر الذي سافر إلى بلاد الخارج يطلب العلم ، وهي فن من الفنون الأدبية التي يكتبها الأدباء عامة من غير العاملين في دواوين الدولة، وهي غير محددة بموضوعات معينة، وإنما يكتبها الأدباء في مناسبات خاصة أو مطارحات أدبية ومساجلات بلاغية فيما بينهم.
وكان من أشهر كتاب تلك الرسائل: أبو حيان التوحيدي، وأبو بكر الخوارزمي، وبديع الزمان الهمذاني.
وتناولت الرسائل العديد من الأغراض: كالمدح والهجاء، والشكوى والعتاب، والتهنئة والاعتذار، والاستعطاف والاستجداء، والنصح والإرشاد، والصداقة والإخاء، والفخر والاعتزاز بالنفس، والوصايا.
سيميائية العنوان
يعتبر العنوان بنية مستقلة ذات علامة تواصلية ما بين النص والقاريء ، فالعنوان يشكل لحظة تأسيس وعي لدى القاريء ، وإذا ما تمعنا في عنوان نص " إلى أخي الذي يطلب العلم في الخارج " نجد ما يلي :
1-هناك ترابط بين العنوان ومضمون الرسالة الإخوانية التي كتبها علي الطنطاوي ، فالعنوان يبرز بصورة واضحة أن الرسالة موجهة إلى أخيه الذي يدرس في الخارج أي خارج البلد التي تربى وترعرع فيه، والقاريء لنص الرسالة يجد أن الكاتب يخاطب أخاه الذي سافر للخارج طلبا للعلم ، فالتوافق بين العنوان والمضمون موجود .
2-لم يفصح الكاتب في العنوان عن مصدر الرسالة أي من كتبها بل اكتفى ذكر الهدف والغاية التي ستصل الرسالة إليه وهو الأخ فحرف الجر "إلى" يفيد بلوغ الغاية ، وقد يكون السبب في ذلك أن مصدر الرسالة معروف وغير خفي ويظهر من مفردات عديدة وردت في النص ، إضافة إلى أنه من جمال العنوان الإيجاز والاختصار والإيحاء إلى المضمون .
3- وكذلك ذكره كلمة الخارج في العنوان، ولم يفصح عن اسم الدولة التي ذهب إليها أخوه وهذا يتناسق مع المضمون حيث لم يذكر كاتب النص ما يدل أو يشير صراحة إلى البلد التي سافر أخوه إليها إنما دارت الفكرة حول بلد في الخارج تحمل ثقافة غير ثقافة البلد التي كان يعيش فيها .
سيميائية الصور
يظهر في الدرس صورتان هما :
1-الصورة الأولى : وهي الموجودة في فقرة " بين يدي النص " ويتضح فيها صورة الباخرة ودخانها وأيدي المودعين تلوح للمسافرين من بعيد ، وبنظرة متأنية إلى هذه الصورة نجد ما يلي :
أ- ضخامة السفينة مقارنة بالبحر الذي بدا وكأنه جزء بسيط منه ، وقد يتناسب هذا مع نفسية المودع للمسافر، حيث يكون جل همه وتركيزه فقط على الحدث الأبرز وهو سفر الأحبة وأداته السفينة، وبالتالي كان التركيز على السفينة التي يركب فيها المسافرون، فلا يكادون يرون غيرها، وبالتالي يبدو البحر صغيرا مقارنة بالسفينة لأنه بعيد عن دائرة الاهتمام بالنسبة للمودع .
ب-يظهر في الصورة صورة منديل يمسك به أحد المودعين، وهذا يوحي بأن المودعين تتساقط من عيونهم الدموع حزنا على وداع أقربائهم وأحبتهم وهذا يستدعي وجود منديل يجففون به دموعهم.
ج-يظهر في الصورة أيضا الدخان المتصاعد والمائل نحو جهة اليسار، وهذا يوحي بأن السفينة قد بدأت بالانطلاق، وهذا يتناسق مع تلويح المودعين بأيديهم .
د-يلاحظ عدم ظهور صورة أي مسافر في السفينة وقد يوحي ذلك بعدة أمور منها :
*أن السفينة أصبحت بعيدة عن المودعين وبالتالي لا تكاد تظهر صور المسافرين، بينما تظهر صورة المودعين والذي يتناسب مع نفسية كاتب النص الذي كان ضمن المودعين بروحه لا بجسمه ، حيث يشعر بأنه ضمن هؤلاء المودعين، وبالتالي كانت صورتهم واضحة وكذلك نجد في النص بعض العبارات التي توحي ببعد المسافر لا المودع ومنها " تنأى بك عني " ، " حتى تصير نقطة صغيرة على شاطئ الأفق تم تنحدر إليه وتختفي وراءه " فهذه العبارات توحي ببعد المسافر .
2-الصورة الثانية : وهي الموجودة بين أسطر النص ويظهر فيها :
أ- رأس المسافر والمرسوم على شكل دائرة ، وشكل الدائرة يوحي بالدوران، والمعروف أن المسافر إذا دخل مكانا غريبا عليه فإنه يشعر بأن الدنيا تدور كلها من حوله ،لأنه يرى أشياء لم يرها من قبل ، وقد تتناسب مع العبارة الواردة في النص " وقد أخذك دوار البحر " فالمسافر عبر البحر قد يصاب بالدوار والذي قد لا يفيق منه إلا بعد أيام .
google_protectAndRun("ads_core.google_render_ad", google_handleError, google_render_ad);
ب-تظهر في الصورة عمارات وأبراج عالية لكن من الملاحظ أنها مائلة مع أنها على الحقيقة تكون قائمة وقد يوحي ذلك بعدة أمور منها :
*أن حضارة الغرب مهما كانت متقدمة وراقية ومبهرة فإنها مبنية على باطل وأنها سرعان ما تنهار وبالتالي فاعوجاج صورة المباني يوحي بقرب انهيارها وأنها غير مبنية على أسس متينة وليس المقصود البناء بحد ذاته بل الحضارة التي أدت إلى وجود مثل هذا البناء .
*تظهر المباني رفيعة من أسفل وعريضة من أعلى مع أن الذي ينظر للمباني العالية من بعيد يرى بأن المبنى من أسفل يكون أعرض بكثير من المبنى من أعلى ، وقد يؤكد ما طرحنا في النقطة السابقة من أن الحضارة المتمثلة بجزء منها كالمباني العالية قائمة على أصول ضعيفة .
*قد يوحي ميلان المباني إلى عظمة الحضارة ورقيها من حيث الفن المعماري التي وصلت إليه دول الغرب من بناء أبراج فيها من الفن ما فيها ،بحيث تبنى مائلة دون أن تتعرض للوقوع .
*تظهر الصورة أيضاً صورة المسافر وحيدا وهو يحمل حقائبه الثقيلة ولا تظهر صورة لأي مظهر من مظاهر الحياة فيها ،وهذا قد يشير إلى شعور المسافر حينما يدخل بلدا جديدا لم يعرفه من قبل، حيث يشعر بالوحدة لأنه لا يكاد يعرف أحدا فيها .