ويفسر البعض قول الشاعر ( لما غدا صرف القضاء بها ضمينا ) عندما تحكمت مصائب الدهر بها وتمكنت منها ، وثقلت معاناتها ، جئت لها منقذاً ، أي جئت في الوقت المناسب لإنقاذها ، ويرى آخرون أن المعنى عندما أراد الله لها أن تتحرر وهيأ الظروف لذلك بعثك فاتحاً محرراً .
وينتقل الشاعر ليقارن بين قتال ( كل ذي ملك ) وقتال ( صلاح الدين ) فيقول : ( يقاتل كل ذي ملك رياء ) و ( رياء ) تعني مدعياً الخير والصلاح على غير ما هو عليه أي ( نفاقاً ) وصاحب الملك يقاتل للمحافظة على ملكه ، لكنه يدعي أنه إنما يقاتل لنشر كلمة الدين والحق والخير - كما ادعى الصليبيون في حملاتهم – بينما ( أنت تقاتل الأعداء دينا ) وشتان بين من يقاتل طمعاً في الدنيا ومن يقاتل طلباً للجنة ، فأنت تقاتل مدفوعاً بدافع ديني قومي ( نشر الدين الإسلامي ، وتحرير الأراضي الإسلامية من نير الاحتلال ) .
و ( رياء ) يجوز إعرابها نائب مفعول مطلق ( قتال رياء ) أو حال ( مرائياً ) . وذكر ( الأعداء ) في الشطر الثاني ولم يذكرها في الشطر الأول ليفيد أن قتال صلاح الدين كان ضد أعداء الدين ، بينما يقاتل المرائي من يقف في طريق مصالحه الذاتية ولو كان صاحباً له ، فلا أخلاق في قتاله .
ويقول ( وما طبرية إلا هدي ترفع عن أكف اللامسينا ) مستخدماً أسلوب القصر الذي يفيد التوكيد ، وليس القصر هنا على كون طبرية هدياً فقط بل وعلى جملة النعت (ترفع عن أكف اللامسينا ) فهي ليست عروساً كغيرها بل عروس مترفعة عن أكف الطامعين فيها ، والأصل في ( ترفع ) ( تترفع ) ، حذفت تاء المضارعة لضرورة شعرية وهذا خلل في النظم وسقطة ما كان على الشاعر أن يسقطها . وجاءت ( أكف اللامسينا ) على صيغة الجمع لتفيد كثرة الطامعين ومنها إشارة إلى مكانة طبرية المتميزة . وهي تترفع عن أكف اللامسين وترفعها عن الطامعين - فيما هو أكثر من اللمس - أشد . فهي شريفة طاهرة ، عفيفة ، وهذا ما يؤكده الشاعر في ( حصان الذيل ) و( حصان ) هنا بمعنى حصينة أو محصنة و ( حصان الذيل ) كناية عن الشرف والعفة . ولهذا كان طبيعياً أنها ( لم تقذف السوء ) وجملة ( لم تقذف السوء ) لم تقدم الكثير من المعنى لـ ( حصان الذيل ) فالأخيرة أقوى في دلالتها ، وأجمل في تناولها . وقد يري البعض أن ( لم تقذف بسوء ) أفادت – بسبب مناعتها – عدم وجود من يجرأ على قذفها بالسوء .
وكأن الشاعر أحس بضعف حجته فأكمل بـ ( وسل عنها الليالي والسنينا ) والذي يسأل غير العارف أو الجاهل ، وتشير العبارة إلى أنها لم تصل في حصانتها الشهرة التي تجعل الكل يدرك مكانتها وطهارتها ، فلا يعد بحاجة للسؤال . و ( الليالي والسنين ) بمعنى ( الزمان ) ، وهذه العروس الشريفة الطاهرة ( حصان الذيل ) رفضت كل المتقربين منها ، الطامعين فيها ، ولكنها عندما رأت الإنسان الكفء تنازلت عن قسوتها ولانت ( قست حتى رأت كفؤاً فلانت ) ، فقسوتها إذا ليست عدم رغبة في الاقتران والارتباط ، بل تتعلق بطبيعة القرين وكفاءته ، وهو موقف يؤخذ على الشاعر في طريقة رسمه لطبرية ، ويكمل ( وغاية كل قاس أن يلينا ) وكأنه يقول ونهاية كل عفيف شريف أن يتنازل عن عفته وشرفه ………… وهي رؤية غير سليمة ، حتى ولو كان التنازل عنها لكفء .
ثم ينتقل ليحدثنا عما فعل صلاح الدين بالمحتلين وكيف غير حالهم ( جعلت صباح آهلها ظلاماً ) ، وجعل فعل ينصب مفعولين ويفيد – هنا – التحويل ، وصباح – هنا – رمز للسعادة والهناء والاطمئنان والخير و (الظلام ) ضد للصباح في رمزيته . والأرض الآهلة تعني المأهولة بأهلها ، وليس هذا مراد الشاعر ، بل المسكونة ويقصد ( المحتلين ) ، ولكن كلمة ( آهلة ) لا توحي بذلك ، بل وعمم التحويل على جميع من فيها : ( الأهل الأصليين والمحتلين ) وكان بإمكانه استبدال ( محتلها ) بـ ( آهلها ) أو أي كلمة أخرى مناسبة ، وربما كان أكثر توفيقاً في الشطر الثاني ( أبدلت الزئير بها أنينا ) وإذا كانت ( جعلت ) أو ( أبدلت ) تفيدان التحول والتغيير فإن ( جعلت ) تفيد التغيير التدريجي وهذا ناسب الانتقال من الصباح إلى الظلام بينما ( أبدلت ) يفيد التحول السريع … والزئير صوت القوة والبطش مقابل الأنين صوت الضعف والمرض .
ويقول ( قضيت فريضة الإسلام منها ) والجهاد فريضة ، وصلاح الدين أقام بتحريرها فريضة الإسلام ( الجهاد ) ، ونقف عند ( قضيت منها ) التي تفيد ( أديت ) وكأن فريضة الجهاد تؤدي لمرة واحدة ، وليس هـذا المعنى المراد . ولو استبدل الشاعر بـ ( منها ) ( فيها ) لكان أكثر توفيقاً ولأصبح المعنى أديت فيها ما فرضه الإسلام ( الجهاد والتحرير ) ، ولا يفيد المعنى هنا عدم تكرار حدوث الفعل ، و ( صدقت الأماني والظنونا ) وصدقت هنا بمعنى ( حققت ) والأماني رغبات بعيدة المنال لكنها ليست مستحيلة والظنون الأمور المرجح حدوثها مع عدم اليقين ، فصلاح الدين بانتصاره حقق أماني الناس وظنونهم . ويقول الشاعر : ( تهز معاطف القدس ابتهاجاً ) وجعل الشاعر ( صلاح الدين ) – فاعل تهز – يجري فرحاً وابتهاجاً ليخبر القدس عما حققه من انتصارات ،كأن صلاح الدين حقق انتصاراته ليرضي الآخرين ويتفاخر بما حققه وهو موقف يؤثر سلباً على شخصية هذا البطل ولو قال ( تهز القدس معاطفها ابتهاجاً ) لكان أكثر توفيقاً ، و ( المعاطف ) الأردية خاصة ما يلبس